تحتفل مصر باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر من كل عام، حيث تعكس هذه المناسبة التزام البلاد بتحقيق وتعزيز حقوق الإنسان في مختلف جوانب الحياة وفي ضوء الالتزامات الدولية والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان وكذلك إنفاذ الالتزامات الدستورية وكذلك محاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان . وعلى مدار العشر سنوات الماضية، حققت مصر العديد من الإنجازات في هذا المجال، منها تطوير التشريعات الوطنية لتعزيز حقوق المرأة والطفل، وتعزيز حقوق ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى إطلاق استراتيجيات وطنية تهدف إلى تحسين الوضع السياسي وكذلك الاجتماعي والاقتصادي للفئات الأكثر احتياجًا.
إن احتفال مصر باليوم العالمي لحقوق الإنسان يمثل فرصة لتسليط الضوء على هذه الإنجازات، ولتأكيد الالتزام المستمر بتحقيق العدالة والمساواة، مما يعكس رؤية مصر نحو مستقبل أفضل يسوده الاحترام المتبادل والكرامة الإنسانية.
وتعتبر مصر من الدول التي تسعى إلى الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى التزامها الدستوري في هذا المجال. فمصر عضواً في العديد من الإتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: الذي يضمن حقوق الأفراد في الحياة والحرية والأمان، وحرية التعبير، وحقوق الأقليات. وكذلك ، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: الذي يركز على حقوق مثل الحق في العمل، والتعليم، والصحة. هذا بالإضافة الي اتفاقية مناهضة التعذيب والتي تعزز حقوق الأفراد في الحماية من التعذيب والمعاملة القاسية.
ان الدستور المصري الصادر في 2014 يتضمن مجموعة من المواد التي تضمن حقوق الإنسان ومنها حرية التعبير وتعديلات القوانين والتشريعات المتعلقة بالحقوق والحريات العامة ومنها علي سبيل المثال لا الحصر قانون الإجراءات الجنائية الذي يتم مناقشته حالياً في مجلس النواب وكذلك استحداث قانون تنظيم اللاجئين … إلخ .
وتسعى مصر إلى تعزيز حقوق الإنسان من خلال الالتزام بالمواثيق الدولية والدستور،، فكان انعكاس هذا من خلال العديد من القرارات والتشريعات التي تم اتخاذها.
حيث اطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021، وهي خطوة مهمة تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان في البلاد وتلبية التزاماتها الدولية في هذا المجال. تمثل هذه الاستراتيجية إطارًا شاملًا يهدف إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتعزيزها عبر مجموعة من الأهداف والبرامج وهي تعزيز الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي تهدف الي الحق في التعليم، والصحة، والعمل، والسكن، مما يساعد على تحسين مستوى المعيشة . محور حقوق المرأة والطفل والتي تتضمن برامج خاصة لحماية حقوق النساء والأطفال، وتعزيز دورهم في المجتمع وأخيراً، حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والذي يهدف الي تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتوفير الدعم اللازم لهم.
كما قامت مصر في عام 2022 بإلغاء حالة الطوارئ التي كانت مفروضة منذ عام اكثر من خمسون عاماً . هذا القرار الذي جاء في إطار جهود الدولة لتعزيز الحريات العامة وتحسين الأوضاع الحقوقية في البلاد. وإلغاء قانون الطوارئ يُعد خطوة مهمة في سياق التغيرات السياسية والاجتماعية في مصر.
ومن ناحية اخري ، إطلاق الحوار الوطني في عام 2022 كخطوة نحو تعزيز المشاركة السياسية وتوسيع قاعدة الحوار بين مختلف فئات المجتمع. ويهدف هذا الحوار إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية، منها تعزيز المشاركة السياسية ومناقشة القضايا الوطنية وتطوير الرؤية الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية وإصلاح التشريعات بالإضافة الي تعزيز التنمية المستدامة.
هذا بالإضافة إلى إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي في مصر تأتي في إطار جهود الحكومة لتعزيز حقوق الإنسان والتي تهدف إلى دراسة ملفات المحبوسين وإصدار توصيات بشأن الإفراج عن بعضهم، خاصة الذين لم يرتكبوا جرائم عنيفة أو الذين قضوا فترة طويلة في الحبس.
وجاء مشروع قانون الأجراءات الجنائية الجديد جاء كنتيجة تسلسل التعديلات الدستورية التي أُدخلت على دستور ٢٠١٤. هذه التعديلات التي تطلبت إعادة النظر في العديد من القوانين لاسيما قانون الإجراءات الجنائية بحسبانه اداة تنفيذ قانون العقوبات وبما يكفل التوافق مع النصوص الدستورية وبما يتصل إتصالاً وثيقا بحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
التعديلات الدستورية تهدف الي تعزيز حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة، ومع مشروع القانون الجديد الخاص بالإجراءات الجنائية إذ تم تعديل القانون ليكون أكثر توافقًا مع هذه المبادئ. . واهما تضمين النص الإجرائي ضمانات واضحة لكفالة المحاكمة العادلة، بما يكفل حق الدفاع، والحق في الإستعانة بمحامٍ، وحق المتهم ودفاعه في الوثوق علي ما ينسب اليه من إتهام وتنفيذ كافة الأجراءات الخاصة بمحاكمته بداءً من مرحلة التحقيق وانتهاءاً للحكم الذي تصدره المحكمة الجنائية المختصة . كما تضمن مشروع القانون الجديد نصوصاً تحقق التوافق والتوازن بين الحق في التعبير وإبداء الرأي بما لا يصتدم بالنصوص الجنائية في قانون العقوبات بما أستخدم المشرع منها حماية وصيانة الحقوق المعتبرة لحماية الإنسان نفساً ومالاً وعرضاً .
ان مشروع القانون تضمن الإتجاه للحد من مدد الحبس الإحتياطي في ذات الوقت الذي اعتنق فيه الالتجاء للتدابير البديلة للحبس الإحتياطي من منطلق التخفيف من وطأة إجراء الحبس الإحتياطي حتي لا يستطيل للحد الذي يجعل منه عقوبة في حد ذاتها لا إجراءاً تستلزمه التحقيقات واجراءات المحاكمة الجنائية ، فضلا عن تنظيم حالات التعويض الجابر للمتهم حال التقرير بحبسه احتياطياً إن أسفر ذلك عن استحقاقه للتعويض الملائم عن تلك الفتره التي قُيدت فيه حريته إبان خضوعه للحبس الإحتياطي تحقيقًا للغاية من كونه تدبيرًا احترازيًا وليس عقوبة. وفي ذات السياق تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة من خلال الوسائل الإلكترونية بما من شأنه إحداث نقلة نوعية في هذا الإطار وبما يضمن مواكبة التطور التقني، وإعادة تنظيم حق الطعن في الأحكام الغيابية عن طريق المعارضة بالشكل الذي يُحقق التوازن بين كفالة الحق في التقاضي وضمانات حق الدفاع وبين كفالة تحقيق العدالة الناجزة وسرعة الفصل في القضايا. وقد جاءات المواد المتضمنة في الباب السابع ( أمر الحبس ) في المواد ١١٢ الي ١٢٤.
وقد تضمن مشروع القانون عدة مواد لعل أهمها ما جاء في المواد ٥١٧ الي ٥٢٢ المتعلقين بحماية المجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين ، وايضاً التعويض عن الحبس في مواد مشروع القانون ٥٢٣ الي ٥٢٤ ، وتضمن القانون إجراءات التحقيق عن بعد في المواد ٥٢٥ الي ٥٣٢ وكذلك حساب المدد ، والمساعدة القضائية والإجراءات التي تتبع في حالة فقد الأوراق أو الأحكام في مواده ٥٣٣ الي ٥٤٠ .
وفي ذات الإطار ، أستهدف مشروع القانون ما من شأنه علي التوازي حماية الأمن القومي للبلاد، من خلال تحديد وتعيين الجرائم المتعلقة والمتصلة إتصالاً وثيقاً باعتبارات الأمن القومي مع توفير ضمانات تكفل عدم الافتئات علي الحقوق والحريات اللصيقة بحق المواطن والمنصوص عليها بما عناه المُشرع الدستوري والجنائي علي حد سواء . هذا وقد راعي مشروع القانون التوازن بين الحقوق والأمن من خلال وضع آليات لمساءلة الجهات المسؤولة عن تنفيذ القانون.
والجدير بالذكر، أن مشروع القانون والذي تم إعداده من قبل خبراء قانونيين وحقوقيين، من لجان الشئون الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومي وحقوق الإنسان بمجلس النواب، وممثلين عن مجلس الشيوخ، وبعض الخبراء و القضاة والمستشارين وأعضاء هيئة التدريس والمحامين وممثلين عن الجهات والوزارات المعنية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمجتمع المدني، لضمان أن يعكس القانون المُعد احتياجات المجتمع وتطلعاته.
اخيراً ، جاء مشروع القانون راعي و جاء متسقاً والتشريعات الجديدة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مما يعزز من موقف مصر على الساحة الدولية ويعكس التزامها بحقوق الإنسان وأيضاً بما يحقق عددا من النتائج المستهدفة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان خاصة في المحور الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ونتائجه المستهدفة.
الجدير بالذكر ، ان مصر خاضت حروبا على الإرهاب بدأت بشكل مكثف منذ عام 2013، بعد الإطاحة بفاشية الإخوان المسلمين في ثورة شعبية حيث اتخذت إجراءات صارمة لمواجهة الجماعات الإرهابية، خاصة في سيناء، حيث كانت هناك نشاطات مكثفة من قبل جماعات مثل “أنصار بيت المقدس” التي أعلنت ولاءها لتنظيم داعش . الأمر الذي كلف الدولة استشهاد العديد من المدنيين وضباط وافراد الجيش والشرطة وكذلك استهداف الممتلكات الخاصة والعامة ومحاولاتهم التخريبية لزرع الفتنة الطائفية في مصر . وقد تضمنت رؤية مصر في مكافحة الإرهاب العديد من العمليات العسكرية حيث قامت القوات المسلحة والشرطة بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية في سيناء، مما أدى إلى القضاء على العديد من العناصر الإرهابية. وكذلك التعاون الدولي حيث تعاونت مصر مع دول أخرى في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب. ومن ناحية اخري ، الجهود التنموية حيث عملت الدولة المصرية علي معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المتأثرة.
ومن ناحية أخرى ، مصر تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، حيث تعتبر نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من دول إفريقيا وآسيا إلى أوروبا. والحكومة المصرية اتخذت عدة خطوات لمكافحة هذه الظاهرة، ومنها: تعزيز الأمن على الحدود حيث قامت مصر بتعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود، خاصة في المناطق الساحلية والحدودية، لمنع الهجرة غير الشرعية. وكذلك التعاون الدولي حيث تتعاون مصر مع الدول الأوروبية ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، من خلال تبادل المعلومات وتعزيز القدرات الأمنية. وأخيراً ، البرامج التنموية حيث تعمل الحكومة على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الأكثر عرضة للهجرة، من خلال توفير فرص العمل وتعزيز التعليم ، هذا بالإضافة إلي ان مصر تعمل على إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية بالتعاون مع حكومات تلك الدول.
وأخيرًا وليس اخراً ، قرار مصر برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الإرهاب حمل دلالات متعددة، منها أولاً، تصدير حقيقة الأوضاع أمام المجتمع الدولي، خاصةً في ظل الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان والتحديات الأمنية التي واجهتها مصر خلال الفترة من ٢٠١٤ وحتي الإعلان علي القضاء علي الأرهاب . ثانياً ، إعلان مصر القضاء علي الارهاب الأمر الذي يستتبعه اعادة دراسة الأسس والمعايير التي طبقت القانون او علي الأرهاب ومن ثم تم اعادة النظر في من تم توجيه تهمة الأرهاب لهم .
ختاماً ، ان مصر لديها تحديات كثيرة والدليل التزام مؤسسات الدولة في إطار ما جاء في محاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي تمضي الدولة بمؤسساتها قدماً نحو تحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.