في خطوة مفاجئة، قررت العديد من الدول الأوروبية تعليق دراسة ملفات اللجوء الخاصة بالسوريين عقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ما يثير القلق بين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا في السنوات الأخيرة. هذه التحولات السياسية في سوريا قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في وضع السوريين في أوروبا، سواء من حيث تمديد إقامتهم أو في ما يتعلق بمسألة ترحيلهم.
دول أوروبية تقرر تعليق طلبات اللجوء
في الأسابيع الأخيرة، بدأت العديد من الدول الأوروبية، مثل النمسا، اليونان، بريطانيا، الدنمارك، النرويج، السويد، وألمانيا، تعليق البت في طلبات اللجوء المقدمة من قبل السوريين. الوضع يزداد تعقيدًا بعد إسقاط نظام الأسد، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول الأسباب التي كانت تبرر منح اللجوء للسوريين، والتي كانت تقوم على مبدأ “الخطر الوشيك” من النظام.
وفي وقتٍ لاحق، بدأت بعض الدول، مثل فرنسا، في دراسة إمكانية تعليق طلبات اللجوء المقدمة من السوريين. بعض الخبراء أشاروا إلى أن القرارات الأوروبية ترتبط بتطبيق بنود اتفاقية 1951 المتعلقة باللاجئين، التي تمنح الحق في اللجوء لأي شخص يواجه خطرًا يهدد حياته في بلده.
غياب أسباب اللجوء بعد سقوط النظام
من جهته، أوضح بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أن السبب الرئيسي الذي دفع العديد من السوريين للهروب من وطنهم كان الخطر المحدق بهم من النظام. مع سقوط الأسد، يعتقد الأحمد أن هذا السبب لم يعد قائمًا، مما يطرح تساؤلات حول مصير الآلاف من السوريين الذين حصلوا على حق اللجوء بناءً على هذا الخطر.
وأشار الأحمد إلى أنه في حال كانت الأسباب وراء اللجوء مرتبطة أيضًا بالمخاوف من تنظيمات مثل “داعش”، فإن هذه التنظيمات لم تعد تشكل تهديدًا كبيرًا، ما يفتح المجال أمام الدول الأوروبية لاتخاذ قرارات ترحيل، رغم أن الوضع في سوريا لا يزال غير آمن، خاصة في شمال البلاد والمناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة مثل “هيئة تحرير الشام”.
الحماية المؤقتة في ألمانيا: هل ستتجدد؟
تعتبر ألمانيا واحدة من أكبر الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين في أوروبا، حيث يقدر عددهم بحوالي مليون شخص. وتشير التقارير إلى أن العديد من السوريين في ألمانيا يحصلون على “الحماية المؤقتة”، وهي إقامة تمنح للاجئين لأسباب إنسانية وتُجدد كل عام. ومع التغيرات الأخيرة في سوريا، قد تصبح السلطات الألمانية أكثر تشددًا في منح تجديد الإقامة، خاصة مع تصاعد الضغوط الداخلية على الحكومة للتعامل مع ملف اللاجئين.
وقال الصحافي السوري إبراهيم مراد، المقيم في ألمانيا، إن “الحماية المؤقتة” يمكن أن تُلغى في حال تم رفض تجديدها بناءً على الوضع السياسي في سوريا. هذا قد يشمل عشرات الآلاف من اللاجئين الذين سيواجهون مصيرًا غامضًا مع التغيرات السياسية المتسارعة في بلادهم.
العودة الطوعية: بين الواقع والمأمول
أثار الوضع الحالي مسألة العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم. إذ أشار بعض الخبراء إلى أن الدول الأوروبية قد تتجه نحو تصنيف مناطق في سوريا على أنها “آمنة” لعودة اللاجئين، إلا أن الوضع في بعض المناطق السورية لا يزال غير مستقر، مع استمرار النزاع والعمليات العسكرية في شمال البلاد.
ويعتقد مراد أن تركيا قد تلعب دور الوسيط في إعادة السوريين من ألمانيا إلى سوريا، حيث يمكن أن تكون نقطة عبور لهم. في المقابل، أكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أن عمليات العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة، وتتم وفقًا للموافقة الواضحة من اللاجئين بعد أن يكونوا قادرين على اتخاذ قرار مستنير بشأن العودة.
مستقبل اللاجئين السوريين في أوروبا
وفي ظل هذا الوضع المعقد، يتعين على السوريين في أوروبا مواجهة تحديات كبيرة تتعلق بمستقبلهم، سواء من حيث الاستمرار في الإقامة أو في احتمال ترحيلهم. على الرغم من أن هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر في قرارات الدول الأوروبية، إلا أن مصير مئات الآلاف من السوريين في القارة يبقى في دائرة القلق والترقب، خاصة مع غياب العلاقات الدبلوماسية بين العديد من هذه الدول والنظام السوري.