في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة، تستعد مصر لاستقبال مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، لمناقشة آخر تطورات برنامج الإصلاح الاقتصادي. أكدت جورجييفا استعداد الصندوق لتعديل البرنامج وفقًا للتحديات الإقليمية التي تؤثر على مصر، والتي تتطلب التزامات مالية ونقدية محددة في إطار البرنامج الذي يشمل دعمًا ماليًا بقيمة 8 مليارات دولار.
التزامات الإصلاح المالي
أكد الخبير الاقتصادي د. مصطفى بدرة أن برنامج التعاون مع الصندوق يتطلب التزامًا بسياسات صارمة، تشمل تحرير العملة وتقليل الدعم على السلع الأساسية، وهي إجراءات تهدف إلى تحسين جاذبية الاستثمار غير المباشر في البلاد، حيث جُذبت استثمارات بمليارات الدولارات في شكل سندات وأذون خزانة. وأشار إلى ضرورة عرض الجهود المصرية، مثل مشروع رأس الحكمة، على طاولة المفاوضات، لتعزيز الثقة في التزام مصر بتحقيق أهداف البرنامج.
فن التفاوض وتحديات السياسة النقدية
وأوضح بدرة أن الحكومة تواجه تحديات لتحقيق توازن بين التزامات البرنامج وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مشيرًا إلى أن إقناع الصندوق بتخفيض جزء من الديون أو تحويلها إلى استثمارات هي سيناريوهات مطروحة للتخفيف من عبء المديونية. كما أكد أن المؤسسات المالية قد تحتاج إلى جهات تصنيف بديلة عن “مورجان ستانلي” و”ستاندرد آند بورز” اللتين تخفضان تصنيف مصر بشكل متكرر.
التحديات الخارجية وتأثيرها على البرنامج
وقالت د. هدى الملاح، رئيسة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، إن مصر تعرضت لصدمات اقتصادية خارجية، بدءًا من أزمة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وحاليًا الصراع في غزة، ما يجعل التزامها بتوقيتات بعض الإصلاحات أمرًا صعبًا. وشددت على أن الصندوق يتبع سياسات ثابتة تشمل خصخصة بعض الشركات العامة وتحرير سعر الصرف، ما يتطلب تنسيقًا عميقًا بين السياسة النقدية والمالية لتحقيق الاستقرار وتجنب القرارات العشوائية.
مقترحات لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
أكد الخبير الاقتصادي خالد راغب على أهمية تأكيد مصر خلال المفاوضات على التزامها بتعزيز المجتمعات وتجنب الأعباء الإضافية، مشيرًا إلى أن استضافة مصر لأكثر من 10 ملايين لاجئ يتطلب دعماً دوليًا. وأوصى بتطبيق سياسات مالية داعمة للاستثمار، وتقييد المضاربة، وتثبيت أسعار الفائدة، بالإضافة إلى إنشاء مخزون سلعي كافٍ وتوفير حزم حماية اجتماعية للطبقات الأقل دخلًا، وهو ما يسعى البنك المركزي ووزارة التموين لتحقيقه لضمان استقرار السوق المحلي.
الصندوق ومراجعة البرنامج
في مايو الماضي، وافق صندوق النقد على صرف الشريحة الثالثة بقيمة 820 مليون دولار، لكن الرئيس السيسي دعا إلى مراجعة الاتفاق لتجنب تحميل الشعب أعباء مالية كبيرة، ووجه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أيضًا بمراجعة توقيتات البرنامج ليتناسب مع المصالح الاقتصادية المصرية.
تشير هذه التحركات إلى أن مصر ماضية في مسار الإصلاح الاقتصادي، مع تأكيدها على ضرورة التوازن بين الالتزامات الدولية واحتياجاتها الداخلية المتنامية، لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المطلوبة.