في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، تتجه مصر نحو تعظيم الاستفادة من برنامج “مبادلة الديون بالاستثمارات”، كأداة لتخفيف ديونها الخارجية وتعزيز التعاون مع الدول الدائنة. وقد بدأت مصر فعلياً تنفيذ هذا البرنامج مع إيطاليا وألمانيا، وتهدف الآن إلى توسيعه ليشمل دولًا أخرى مثل الصين، سعياً لتحويل ما يصل إلى 38% من ديونها الخارجية إلى استثمارات بحلول عام 2030. ورغم الفوائد المتوقعة لهذا البرنامج، فإن الخبراء يشيرون إلى تحديات تعوق تنفيذه السريع وفعاليته، إذ تتطلب هذه المبادلات مفاوضات معقدة وآليات فنية دقيقة.
التحديات الاقتصادية تدفع نحو حلول مبتكرة
تعاني معظم اقتصادات العالم من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة بسبب الأزمات المتتالية التي تشمل ارتفاع التضخم، زيادات هائلة في مستويات الديون، والارتفاع في أسعار السلع. تلك الضغوط تتفاقم بفعل الحروب والنزاعات المستمرة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع المستمر في الشرق الأوسط، التي أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد وأثرت بشكل مباشر على اقتصاديات دول الشرق الأوسط، ومنها مصر. ومع تأثر الاقتصاد المصري بجائحة كورونا، فقد بات من الضروري البحث عن حلول مبتكرة للتعامل مع هذه الظروف غير المسبوقة.
وللتصدي لهذا الواقع، أعلنت الحكومة المصرية عن توسعها في برنامج مبادلة الديون بالاستثمارات، بهدف جذب استثمارات جديدة تساهم في تنمية الاقتصاد المصري وتخفيف الأعباء المالية، حيث يسهم هذا البرنامج في تعزيز المصالح المتبادلة مع الدول الدائنة. وقد سبق لمصر أن أطلقت برامج لمبادلة الديون مع إيطاليا وألمانيا بقيمة إجمالية بلغت 730 مليون دولار، وتركزت هذه المبادلات على تمويل 120 مشروعًا تنمويًا، غير أن التوسع في هذه البرامج مع دول أخرى يجري ببطء مقارنة بما تتطلع إليه الحكومة.
تفاصيل البرامج مع إيطاليا وألمانيا
بدأ برنامج مبادلة الديون مع إيطاليا في عام 2001، ومع ألمانيا في عام 2011، حيث يتولى “بنك التعمير الألماني” بالتعاون مع وزارة التخطيط المصرية تحديد المشاريع التي يتم تمويلها ضمن إطار هذا البرنامج. كما يتم تنفيذ برنامج مبادلة الديون مع إيطاليا من خلال لجنة مشتركة تتولى اختيار المشروعات ذات الأولوية المشتركة بين البلدين. ويعتبر نجاح البرنامج مرهوناً بسرعة وفعالية التنفيذ، وهو ما يمثل تحدياً لاسيما وأن بعض الديون ترتبط بجهات غير حكومية كبنوك استثمارية أو مؤسسات مالية خاصة، مما يجعل التفاوض حولها أكثر تعقيداً.
تحديات التفاوض واختيار المشاريع
صرّح الخبير الاقتصادي، الدكتور وليد جاب الله، أن برنامج مبادلة الديون يواجه تحديات عدة تتعلق بالتفاوض حول آلية تحويل الديون إلى استثمارات، حيث يتطلب النجاح توافقًا كاملاً بين الطرفين على اختيار الاستثمارات التي تحقق الأهداف المشتركة. وأوضح أن بعض الدول تتردد في تنفيذ مثل هذه البرامج بسبب تعقيدات في اختيار المشاريع التي تتماشى مع رؤى الجانبين. وأشار إلى أن الاستثمارات الناتجة عن هذه البرامج غالبًا ما تكون محدودة مقارنة بحجم الدين، حيث تظل التفاصيل الفنية في التفاوض واختيار المشاريع المؤثرة هي العامل الرئيسي لنجاح أو فشل هذا النوع من المبادلات.
تطوير المناخ الاستثماري وإدارة المشاريع
أكد الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، على أهمية إدارة برنامج مبادلة الديون بفكر استثماري وليس بأسلوب حكومي، حيث يبحث المستثمرون المحليون والأجانب عن الفرص الاستثمارية المربحة، وهو ما يتطلب الحد من البيروقراطية والروتين الذي قد يعيق تنفيذ البرامج. وشدد على ضرورة منح الموظفين الحكوميين صلاحيات لاتخاذ قرارات أسرع، مما قد يسهم في جذب المستثمرين، لافتاً إلى أن مصر لديها العديد من الفرص الاستثمارية التي قد تدفع بعجلة النمو الاقتصادي، مثل المشروعات القومية التي أنجزتها الدولة بجودة عالية، والتي يمكن للقطاع الخاص إدارتها بفعالية.
الآمال بتحسن الوضع المالي لمصر
يُذكر أن الدين الخارجي لمصر سجل تراجعًا ملحوظًا خلال النصف الأول من عام 2024، حيث انخفض بمقدار 15.149 مليار دولار بنسبة 9.9%، ليصل إلى 152.885 مليار دولار في يونيو 2024، مقارنة بـ168.034 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفقاً لبيانات البنك المركزي. ويرى الخبراء أن برنامج مبادلة الديون بالاستثمارات قد يكون مساهماً رئيسيًا في تحسين الوضع المالي للبلاد وتخفيف الضغوط الناجمة عن التزامات الديون الخارجية، شرط أن يتم تجاوز العقبات الحالية وتنفيذ البرنامج بفعالية تضمن الوصول إلى أهدافه المنشودة.