تطورت وسائل التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة تطورًا مذهلا حيث اتجهت نحو خلق عالمًا رقميًا جديدًا موازيًا للعالم الحقيقي، فلقد احدثت تكنولوجيا المعلومات ثورة في كافة المجالات وكان للتجارة النصيب الاكبر منها، حيث غيرت طريقة التعاملات التجارية التقليدية، واعادت تشكيل مستقبل التجارة سواء على المستوى المحلى أو العالمى.
وإذا كانت التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعى لها فوائد لايمكن اغفالها، من حيث المساهمة فى تنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل وتقديم فئة جديدة من التجار من شأنها أن تثرى سوق العمل وزيادة المنافسة مما يؤدى إلى تحسين المنتج، إلا أنها لا تخلو من التجارب السيئة نظرًا لقلة الرقابة على ذلك النوع من التجارة.
فالتجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعى تجابه العديد من التحديات سواء فيما يخص البائع أو المستهلك، ويظهر ذلك من خلال التجارب السيئة التى قد يتعرض لها المستهلك عند الشراء وبخاصة عمليات الغش التجارى، بسبب إختلاف المنتج المعروض عما هو عليه الحال فى الواقع سواء من حيث الحجم أو اللون أو الخامة، أو ما يتعلق منها يإيهام المستهلك بأن المنتج أصلى وهو فى الحقيقة غير ذلك، وعلى الجانب الآخر يعانى البائع من عمليات شراء وهمية وعزوف بعض المستهلكين عن الشراء بعد توصيل المنتج أو التهرب من استلام المنتج، مما يجعل البائع يتكبد الكثير من الخسائر، كما تتمثل المخاطر أيضًا فى عمليات الاختراقات الامنية التى قد تتعرض لها بعض الصفحات وما ينتج عنه من مخاطر تهدد حسابات المستخدمين.
ويزيد من خطورة الامر، خروج اغلب تلك المعاملات عن رقابة جهاز حماية المستهلك و الغرف التجارية حيث لا يستطيع المستهلك اللجوء إلى الجهات الرقابية أو تقديم شكوى لعدم استيفاء الاشتراطات اللازمة لتلك التعاقدات، حيث اشترط جهاز حماية المستهلك لتقديم شكوى بشأن التسوق الإلكتروني أن تتضمن الشكوى المستندات الأساسية المتمثلة فى “بيانات الشاكي – صورة البطاقة – الفاتورة – الضمان” بالإضافة الى المستندات الإضافية الاخرى “صورة الطلب أو رقم الطلب أو إيصال الشحن”.
حيث نظمت المادة 37 من قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018 العلاقة بين البائع والمستهلك فى التعاقد عن بعد، بأن ألزمت البائع قبل إبرام العقد عن بعد أن يمد المستهلك بشكل جلى وصريح بالمعلومات والبيانات التى تمكنه من اتخاذ قراره بالتعاقد، وعلى الأخص ما يأتى :
– بيانات المورد، وتشمل الاسم والعنوان ورقم الهاتف والبريد الالكترونى إن وجد، ورقم السجل التجارى والبطاقة الضريبية، وما إذا كان المورد منتميًا لمهنة منظمة قانونا، وصفته المهنية واسم الهيئة أو التنظيم المهنى المسجل أو المقيد فيه، بالاضافة إلى أى معلومات تتيح التعرف على المصنع أو المستورد بحسب الاحوال.
– بيانات المنتج محل العرض ، بما فيها مصدره وصفاته وخصائصه الجوهرية، وكيفية استعماله، والمخاطر التى قد تتيح عن هذا الاستعمال إن وجدت.
– ثمن المنتج وجميع المبالغ التى قد تضاف إلى الثمن/ الضمان / خدمات ما بعد التعاقد / تاريخ التسليم ومكانه/ أحكام الرجوع فى العقد/ بيانات التعاقد التى سترسل إلى المستهلك فى حالة إتمام عملية التعاقد.
وهو الأمر الذى لا يتوافر فى كثير من المعاملات التجارية التى تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعى. وعلى الجانب الآخر، فإن غياب الرقابة على تلك المعاملات يهدد بمجموعة من المخاطر الأخرى الهامة، والتى منها:
• مناهضة رغبة الدولة واتجاهها فى تنمية التجارة الالكترونية وتعزيز ناتج الاقتصاد الرقمى، فبحسب تقديرات البنك الدولي يساهم الاقتصاد الرقمي بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن يصل حجم الاقتصاد الرقمي إلى 23 تريليون دولار، ما يتجاوز 24% من حجم الاقتصاد العالمي في 2025.
• عدم الحصول على التراخيص اللازمة سواء من وزارة الصحة أو غيرها من الجهات المختصة فى حال ما كان المنتج طبى أو تركيبات طبية لأنها لاتخضع لرقابة هذه الجهات.
• التهرب من سداد مستحقات الدولة من ضرائب وتشغيل عمالة وغيرها بسبب العمل من المنزل.
• تشكيل قناعة عامة مضمونها افتقاد الثقة فى التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وما يترتب على ذلك من عزوف فئة كبيرة عن التفاعل مع شراء المنتجات المحلية أون لاين واستبدالها بالشراء من المواقع أو المتاجر العالمية لعدم الثقة بالصفحات المحلية مما ينتج عنه الاضرار بالمنتجات والصناعات المصرية.
• إساءة استخدام الدعاية الالكترونية حيث تلجأ الصفحات التجارية المضللة إلى الاستعانة بما يسمى البلوجرز أو اللجان الالكترونية لعمل تفاعلات وهمية مع المنتج لطرح الثقة به وتضليل الجمهور الذى يقع ضحية لتلك الدعايا.
• غياب الرقابة القانونية يشجع قطاع عريض على اقتحام مجال البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعى لقلة مخاطره و لما فيها من توفير نفقات وجهد إضافى وأنها لا تحتاج إلى رأس مال كبير للبدأ فى العمل، وهو ما يشجع اصحاب النفوس الضعيفة على القيام بعمليات نصب الكترونية تحت ستار البيع والشراء حيث تشترط بعض الصفحات دفع الخدمة مسبقًا أو دفع مقدم حجز أو نسبة من ثمن ما تم شراءه كشترط لإتمام عملية البييع.
وتأسيسًا على ما تقدم، وبالنظر لطبيعة التجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فإنها تحتاج إلى درجات أعلى من الحماية القانونية عما هو عليه الحال فى التجارة التقليدية. فمن ناحية، ينبغى استيفاء اشتراطات ممارسة العمل التجارى من حيث التراخيص اللازمة والقيد بالسجل التجارى والضريبى لمزاولة النشاط التجارى كما هو عليه الحال فى التجارة التقليدية، مضافًا إلى ذلك وضع ضوابط لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى التجارة، عن طريق تقنين اوضاع تلك الصفحات والرقابة على المنتجات والعلامات التجارية الخاصة بها، خاصة بعد صدور قانون 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذى نص فى مادته الاولى على أن تسري أحكام هذا القانون على جميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية، ويستثنى من ذلك الموقع أو الوسيلة أو الحساب الإلكتروني الشخصي ما لم ينص القانون المرافق على خلاف ذلك. وما تضمنته المادة السادسة بأن لا يجوز تأسيس مواقع إلكترونية في جمهورية مصر العربية، أو إدارتها، أو إدارة مكاتب أو فروع لمواقع إلكترونية تعمل من خارج الجمهورية، إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الأعلى وفق الضوابط والشروط التي يضعها في هذا الشأن.
وفى الختام، لقد عنت الدولة بسن مجموعة من القوانين من أجل تعزيز الثقة فى التجارة الالكترونية وتوفير الامان القانونى للمعاملات التجارية الالكترونية بهدف دعم الاقتصاد الرقمى، ومن أهم تلك القوانين، القانون رقم 15 لسنة 2004 بشأن تنظيم التوقيع الالكترونى، و القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية العلومات، ولكن يبقى التحدى الأكبر للدولة فى إدراج المعاملات التجارية التى تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعى لتشملها مظلة الحماية القانونية لتعزيز ثقة الافراد فى تلك المعاملات، والعمل على تعزيز وعى المستهلكين حول حقهوقهم لتجنب عمليات الاحتيال والنصب الالكترونى حتى لا تشيع الفوضى وفقدان الثقة فى تلك المعاملات.