في تحول استراتيجي يعكس التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، أعلنت كل من تشاد والسنغال إنهاء الاتفاقيات العسكرية التي كانت تربطهما بفرنسا، مما أدى إلى انسحاب القوات الفرنسية من البلدين، في خطوة تمثل ضربة قوية لنفوذ باريس في القارة السمراء. هذه التطورات تأتي في سياق تصاعد المشاعر المناهضة لفرنسا داخل دول الساحل وغرب أفريقيا، حيث باتت الشعوب والحكومات تسعى إلى التخلص من الإرث الاستعماري وتعزيز الاستقلالية العسكرية والسياسية.
تشاد.. إنهاء التعاون العسكري بعد عقود من التبعية
في 28 نوفمبر 2024، أعلنت الحكومة التشادية إنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي مع فرنسا، ما أدى إلى بدء انسحاب نحو 1000 جندي فرنسي وتسليم قاعدة “فايا لارجو” العسكرية للسلطات المحلية، وفقًا لدراسة صادرة عن مركز فاروس للفكر والدراسات. ويعد هذا القرار نقطة تحول تاريخية، حيث كانت تشاد لسنوات طويلة حليفًا استراتيجيًا لفرنسا في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل.
ويأتي القرار بعد تصاعد الانتقادات الشعبية والحكومية ضد الوجود العسكري الفرنسي، حيث اتُهمت باريس بعدم تقديم الدعم الكافي لمواجهة التهديدات الأمنية، فضلًا عن تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة، ما دفع تشاد إلى إعادة تقييم علاقاتها الدفاعية والبحث عن بدائل استراتيجية جديدة.
السنغال.. خطوة مفاجئة لإنهاء الوجود العسكري الفرنسي
في خطوة مماثلة، أعلنت السنغال إغلاق جميع القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، بما في ذلك القاعدة الفرنسية في “ديوكس” التي كانت تضم نحو 350 جنديًا فرنسيًا. هذا القرار يأتي في إطار سياسة جديدة تهدف إلى تقليل الاعتماد على القوى الأجنبية وتعزيز السيادة الوطنية، خاصة بعد تصاعد الأصوات المطالبة بإنهاء النفوذ الفرنسي في البلاد.
وتتجه السنغال نحو تنويع شراكاتها الدفاعية، حيث تعزز التعاون العسكري مع كل من تركيا والصين، في خطوة تعكس رغبتها في إعادة تعريف علاقاتها الدولية بعيدًا عن الإرث الفرنسي التقليدي.
انسحاب فرنسا.. ماذا يعني لأفريقيا؟
بحسب الدراسة، يمثل الانسحاب الفرنسي من تشاد والسنغال ضربة قوية لمكانة فرنسا في القارة، حيث كانت تعتمد على وجودها العسكري لدعم نفوذها السياسي والاقتصادي. ومع تقلص الحضور العسكري الفرنسي، يبرز تساؤل كبير حول مستقبل الأمن في المنطقة، خاصة مع تنامي النفوذ الروسي والصيني.
- في تشاد، قد يؤدي الانسحاب الفرنسي إلى تفكك الجبهة الأمنية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهو ما قد يزيد من حدة التوترات والصراعات الداخلية.
- في السنغال، قد يفتح الانسحاب الباب أمام قوى إقليمية ودولية جديدة لتعزيز وجودها العسكري والاستراتيجي.
نهاية النفوذ الفرنسي.. وصعود قوى جديدة
مع انسحاب فرنسا من تشاد والسنغال، يبدو أن عصر الهيمنة العسكرية الفرنسية في أفريقيا يقترب من نهايته. فالدول الأفريقية لم تعد ترى في باريس الحليف الاستراتيجي الوحيد، بل تسعى إلى تنويع شراكاتها الدولية وبناء علاقات جديدة مع قوى صاعدة مثل روسيا والصين وتركيا.
وفي ظل هذه التغيرات، تواجه فرنسا تحديات متزايدة في الحفاظ على دورها التقليدي داخل القارة الأفريقية، حيث باتت الحكومات الأفريقية أكثر جرأة في فرض رؤيتها الخاصة وتعزيز استقلالها بعيدًا عن النفوذ الأوروبي.
.