يعانى الجرحى الفلسطينيون جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي دخل يومه الـ107، من نقص الأدوية والمعدات الطبية، إذ يمنع جيش الاحتلال دخولها إلى القطاع، وتنتشر القصص الكثيرة عن معاناة الجرحى في غزة، حيث يخضع معظمهم لعمليات جراحية في المنازل من دون تخدير.
اقرا ايضا ..إعلام أمريكي: الفصائل الفلسطينية لديها ذخائر تكفي لضرب إسرائيل لأشهر
بتر على طاولة المطبخ
وعرضت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، قصة الطبيب المتخصص في جراحة العظام هاني بسيسو، الذي اضطر إلى إجراء عملية بتر لساق ابنة أخيه “عهد” على طاولة المطبخ، بعد إصابتها إثر ضربة قذيفة دبابة إسرائيلية.
ومنزل “بسيسو” كان يبعد عن مستشفى الشفاء في مدينة غزة بنحو خمسة دقائق بالسيارة، ولكن وجود قوات الاحتلال منعتهم من الخروج، ليبدأ في التفكير والشابة ممددة أمامه: “من أين أبدأ؟ لا يوجد لديّ أي تخدير.. لا يوجد معي أي شيء”.
وحضر الطبيب بسيسو للعملية بما توفر لديه من أدوات، حيث كان يغسل ما تبقى من ساق عهد (18 عامًا) وهي مستلقية على “طاولة المطبخ” في دلو مملوء بالماء والصابون، وسط أنين من الألم.
وتم تداول فيديو لبسيسو وهو يتحدث ويبكي بحرقة أثناء ذلك “هل يمكنكم أن تتخيلوا أنني سأبتر ساقها في المنزل؟ أين الرحمة؟ أين الإنسانية؟”.
ونقلت “واشنطن بوست” عن الطبيب بسيسو أنه “أجرى عملية البتر بسكين طبخ عادي، ومقص وإبرة خياطة ومن دون أي تخدير”.
وتشير الصحيفة إلى أن ما عانته الشابة بسيسو يسلط الضوء على الفظائع اليومية التي يواجهها سكان غزة، وسط انهيار نظام الرعاية الصحية في القطاع.
وقال الطبيب بسيسو في مقابلة أخرى مع وكالة “رويترز”: “للأسف لم يكن لديّ خيار آخر.. كان خيارًا واحدًا من اثنين: إما أن أترك البنت تستشهد وإما أحاول بما لديّ من إمكانيات. طبعًا الإمكانيات صفر”.
وأضاف: “هل أستطيع إيصالها للمستشفى؟ طبعا لا. كنا محاصرين لخمسة عشر يومًا والدبابات كانت على باب المنزل.. أخذنا القرار.. القرار بمحاولة عمل أي شيء للبنت لإنقاذها.. القرار الأول أن أبتر الرجل”.
قصف المنازل
و”عهد” واحدة من جيل من الشباب تعرضوا لعمليات بتر في العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر.
ونقلت “رويترز” عن عهد بسيسو، وهي مستلقية على السرير بعد عدة أسابيع من البتر، أنها وجدت دبابة إسرائيلية قريبة من منزلها عندما خرجت لالتقاط إرسال للاتصال بوالدها الذي يعيش في الخارج.
وتابعت أنها دخلت هي وشقيقتها إلى الداخل وأسدلت ستائر المنزل تحسبًا لتعرضه للقصف. وأضافت أن المبنى تعرض للقصف بعد ذلك بفترة وجيزة وأصيبت. وأدركت أنها فقدت الإحساس بساقها عندما حاول أفراد عائلتها مساعدتها، وإخراج الشظايا من جسدها.
وقالت عهد: “أقعدوني على طاولة المطبخ، لم يوجد أي أداة طبية، عمي شاهد الاسفنجة التي ننظف فيها الصحون.. وكلور أخذهم وأصبح ينظف رجلي، وبترها بدون بنج وبدون أي شيء في المنزل”.
وردًا على سؤال عن كيفية تحملها للألم، قالت: “أنا كنت أقول الحمد لله وأقرأ قرآن، والحمد لله لم أشعر كثيرًا من فضل ربنا نزل على الصبر، بس طبعًا كان هناك وجع وصدمة من المنظر”.
وعملية عهد لم تكن الوحيدة في القطاع التي تجرى من دون تخدير، إذ أكد أطباء لـ”واشنطن بوست”، أنهم “اضطروا إلى إجراء عمليات بتر، وعمليات جراحية من دون تخدير أو تخفيف للألم.. حيث يملأ صراخ الجرحى الممرات أثناء تغيير الضمادات وإزالة الشظايا”.
10 أطفال يفقدون سيقانهم يوميًا
وكانت منظمة الصحة العالمية، أعلنت في شهر نوفمبر الماضي، أن بعض الجرحى في قطاع غزة يخضعون لعمليات بتر للأطراف دون تخدير بسبب نقص الأدوية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات.
ويفقد أكثر من 10 أطفال في المتوسط إحدى سيقانهم أو كلتيهما يوميًا، مع استمرار الحرب على غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، في حين تجرى العديد من عمليات البتر والتدخلات الجراحية دون تخدير، وفقًا لمعطيات كشفتها منظمة “إنقاذ الطفولة” غير الحكومية.
وقال طاقم منظمة “أطباء بلا حدود” إن عدم الوصول إلى الرعاية الصحية في جميع أنحاء غزة أدى إلى عمليات بتر للأطراف بدون تخدير أو بتخدير غير كافٍ، وولادة النساء دون مساعدة طبية، وتفشي أمراض الإسهال والجهاز التنفسي دون علاج.
وقال ميشيل أوليفييه لاشاريتيه، رئيس عمليات الطوارئ في المنظمة، إنه “رغم وصول إمدادات جديدة من الأدوية إلى غزة مؤخرًا من خلال صفقة توسطت فيها فرنسا وقطر، إلا أن بعض الأدوية “لا تزال مفقودة.. خاصة مسكنات الألم”.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أن ما لا يقل عن 1000 طفل تعرضوا لبتر ساق أو اثنتين حتى نهاية نوفمبر، مع خضوع عدد غير معروف من هذه العمليات من دون تخير أو مسكنات للألم.
وتحذر المنظمات الدولية من تفاقم الأوضاع الصحية “الكارثية” التي يعاني منها الفلسطينيون في غزة، مع نقص الإمدادات في الأدوية والمعدات الطبية.
وصرح شون كيسي، منسق فرق الطوارئ الطبية بمنظمة الصحة العالمية، للصحفيين مؤخرًا في جنيف، عبر رابط فيديو، من قطاع غزة “نرى هذه الكارثة الإنسانية تتكشف أمام أعيننا”.
وحذر قائلًا: “نشهد انهيار النظام الصحي بوتيرة متسارعة”، بحسب تقرير نشرته وكالة “فرانس برس”.
وقالت وكالة الأمم المتحدة المعنية بتعزيز المساواة بين الجنسين، إن النساء والأطفال هم الضحايا الرئيسيون في الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ استشهد نحو 25 ألف شخص، ويُفقد ما يقدر باثنتين من الأمهات كل ساعة منذ بداية الحرب.