مع اقتراب الحرب في قطاع غزة من دخول يومها الـ 100، تبدو الإدارة الأميركية قلقة من إصرار الحكومة الإسرائيلية على المضي قدما في العمليات العسكرية، دون فتح نقاش جاد حول مستقبل “اليوم التالي” الذي تضع فيه الحرب أوزارها.
اقرا ايضا ..أكثر من 300 شهيد بالضفة الغربية منذ “طوفان الأقصى
وقالت مجلة “بوليتيكو” الأميركية، إنه يتعين على المسؤولين الأميركيين العمل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال محاولتهم احتواء الحرب بين إسرائيل وحماس، لكن البعض بدأ يتساءل عما إذا كان هو المسؤول حقا الذي يمكنه تقرير مصير هذه الحرب، في الوقت الذي يحاول فيه البقاء في منصبه وتجنب السجن بتهم الفساد، وهما رغبتان مرتبطتان جعلته عرضة للاستجابة لمطالب أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم.
ويعتقد مراقبون ومحللون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن عددًا من وزراء الحكومة الإسرائيلية يحملون أفكارا متشددة تجاه حرب غزة، مما تسببوا في إعاقة نتنياهو عن اتخاذ الكثير من الإجراءات، أو الاستجابة لبعض المطالب الأميركية، بيد أنه في ذات الوقت يفعل ذلك حماية لحكومته واحتفاظه بمنصبه السياسي لأطول فترة ممكنة، مما قد يُمهد لإطالة أمد الحرب بأكثر مما ينبغي.
هل فقد السيطرة؟
أوضحت “بوليتيكو” أن الشخصيات اليمينية المتطرفة، ولا سيما الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، تحمل وجهات نظر عميقة معادية للفلسطينيين وتقاوم المقترحات الأميركية التي يعتبرونها ودية للغاية مع الفلسطينيين، بيد أنهم إذا تخلوا عن ائتلاف نتنياهو، فقد يفقد رئاسته للوزراء، مما يزيد من خطره القانوني، واصفة الأمر بأنه “فقد السيطرة”.
هذا ما جعل نتنياهو مترددا في أخذ المشورة الأميركية بشأن الحرب، ويشير إلى أن التوترات الأميركية الإسرائيلية ستزداد في الوقت الذي يكافح فيه الفلسطينيون من أجل النجاة من القصف الإسرائيلي لقطاع غزة.
قال مسؤول أميركي مطلع على المناقشات الأميركية الإسرائيلية، إنه “ليس من الواضح دائما من يقود القطار” في إسرائيل، وكانت هناك أوقات ألمح فيها [نتنياهو] وأحيانا كان أكثر وضوحا في إخبارنا بأن يداه مقيدتان”.
ونقل التقرير أنه بالنسبة للكثيرين الذين يتابعون السياسة الإسرائيلية، قد يكون من الصعب حشد الكثير من التعاطف مع نتنياهو، ففي إطار رغبته في البقاء في السلطة، قدَّم العديد من التنازلات للأطراف الأكثر تطرفا في إسرائيل لدرجة أنه “قيّد نفسه” حتى قبل الحرب.
أما الآن، وفي محاولة إرضاء سموتريتش وبن غفير “تضعف قدرته على اتخاذ قرارات صعبة خلال لحظة خطر غير عادي على إسرائيل”.
فترة تسلم نتنياهو لرئاسة الوزراء هي الأطول في إسرائيل، ويشغل هذا المنصب بشكل متقطع منذ حوالي 16 عاما.
لكن البعض في إدارة بايدن يشعر بالغضب من أن نتنياهو لا يزال الرجل على رأس الحكومة الإسرائيلية، ويعتقدون أن مدة صلاحيته السياسية محدودة، ومع ذلك لم تتخل الإدارة الأميركية عنه وسط هذه الأزمة، إذ أن الرئيس جو بايدن ومساعدوه على اتصال منتظم برئيس الوزراء وفريقه، عبر الهاتف أو افتراضيا، إن لم يكن شخصيا بزيارات منتظمة إلى تل أبيب.
على سبيل المثال، هذا الأسبوع يزور وزير الخارجية أنتوني بلينكن إسرائيل مرة أخرى كجزء من جولة رابعة للشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر، كما زار ما لا يقل عن 10 من كبار مسؤولي إدارة بايدن وعلى رأسه الرئيس نفسه، إسرائيل منذ بدء الحرب، بعضهم عدة مرات.
يأتي ذلك في الوقت الذي دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، وزراء حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس وغادي آيزنكوت وجدعون ساعر لمغادرة الحكومة باعتبارها “ليست مؤهلة لقيادة الحرب”، كما أن “نتنياهو غير مؤهل لقيادة البلاد”.
وردا على سؤال حول موقف نتنياهو في إسرائيل والعلاقات الحالية مع إدارة بايدن، قالت المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون: “لن نعلق على السياسة الداخلية لدولة أخرى”، لكنه أشار إلى أن بايدن ونتنياهو لديهما علاقة طويلة الأمد.
موقف صعب
من جانبه، يصف المفاوض الأميركي السابق في الشرق الأوسط لسنوات طويلة، آرون ديفيد ميلر، نتنياهو بأنه “يائس بشكل متزايد”.
وأوضح أن نتنياهو قدم نفسه لفترة طويلة بأنه الخيار الأفضل لأمن إسرائيل في منطقة صعبة، لكن هذه الهالة تضررت بشدة عقب هجوم حماس المباغت، مضيفا: “أما الآن فبات مثالا على زعيم خلط بين بقائه السياسي وما يعتبره المصالح الفضلى لهذا البلد.. إنه مزيج صعب، ويؤدي إلى اتخاذ قرار رهيب”.
وتشير التقارير الأميركية إلى أن “فرصه في البقاء في السلطة الآن قد تكون أعلى كلما طال أمد الحرب”.
ويعتقد مسؤولون أميركيون أيضا أن الضغط السياسي من اليمين المتطرف هو أحد الأسباب التي تجعل نتنياهو يرفض طلبات الولايات المتحدة بالسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث يتضور الكثير من الفلسطينيين جوعا.
المستقبل ليس في صالحه
من جانبه، قال أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، جبريال صوما، إن “مستقبل نتنياهو بعد نهاية حرب غزة، لن يكون في صالحه، خاصة أن هناك مأخذ كثيرة عليه، كما أنه متهم أمام القضاء بمسائل تتعلق بالاستفادة المالية له ولزوجته في السنوات الماضية أثناء وجوده في السلطة كرئيس للوزراء”.
ولفت صوما إلى أن أسر الرهائن لدى حماس يتهمونه بأن إدارته لم تقم بالعمل الكافي لمنع الحركة الفلسطينية من القيام بعملية السابع من أكتوبر التي أدت إلى مقتل 1200 شخص وخطف 240 من الرهائن، مضيفاً: “كل هذه الاتهامات التي يواجهها بعد انتهاء الحرب سوف يكون لها تأثير سلبي على مستقبله السياسي”.
أما فيما يتعلق بالحرب الدائرة في غزة، يعتقد عضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق ترامب، أن قرار وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب هو بيد القادة العسكريين الإسرائيليين.
وعلى هذا النحو، قال الخبير الأميركي المتخصص في شؤون الأمن القومي، سكوت مورغان، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه قد لا يكون لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي أي خيارات في الوقت الراهن بشأن إدارته، خاصة بعدما أبطلت المحكمة العليا الإسرائيلية إصلاحاته للنظام القضائي، مما يجعله عرضة للملاحقة القضائية.
وأشار مورغان أن عدم استعداد أجهزة الأمن الإسرائيلية قبل 7 أكتوبر لهجوم حماس هو مصدر قلق كبير، في حين تهرب كثيراً من “الأسئلة الصعبة” بشأن ما جرى في هذا اليوم، فضلاً عن أن لدى الإدارة الأميركية ضغوطا محدودة ترغب في ممارستها على إسرائيل للقبول بحل القضية برمتها.
بين المطرقة والسندان
من جانبه، حدد الخبير المختص بالشأن الإسرائيلي، غسان محمد، في تصريحاته لموقع “سكاي نيوز عربية”، موقف نتنياهو الراهن على وقع الضغوط التي تمارس عليها، وكذلك سعيه للاحتفاظ بمنصب، في عدد من النقاط قائلا إنه:
يبدو أن نتنياهو بات يدرك بشكل واضح أن نتيجة الحرب على غزة ستؤدي إلى تغيير المشهد السياسي في إسرائيل وليس في المنطقة كما كان يعتقد، ولكي يتجنب التداعيات التي يعرف أنها تعني انهيار ائتلافه اليميني المتطرف يرى أن المماطلة في وقف الحرب قد تكون ورقة رابحة سياسيا بما يعني الحفاظ على الحكومة ومنع تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في أسباب إخفاق 7 أكتوبر الماضي.
في إطار محاولاته هذه، يلوح نتنياهو رغم التحفظات الأميركية بتصعيد الوضع مع حزب الله لكن بشكل مدروس بحيث لا يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية في المنطقة، على أمل أن يدفع ذلك قوى دولية وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا للتدخل بقوة وعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن وإصدار قرار بوقف إطلاق النار توافق عليه إسرائيل بذريعة الامتثال للقرار، وبذلك يخرج نتنياهو من المأزق الذي يتخبط فيه بغزة بأقل الخسائر.
محللون إسرائيليون ذكروا صراحة أن أهداف الحرب على غزة غير قابلة للتحقيق وكلما طالت الحرب كلما كانت خسائر تل أبيب أكبر، ونتنياهو يعرف ويدرك ذلك، وبالتالي لا جدوى من مواصلتها لأن ذلك خطوة انتحارية سيتحمل المستوى السياسي والعسكري المسؤولية عن النتائج الكارثية التي ستتمخض عنها.
بذلك يكون نتنياهو بين المطرقة والسندان، سواء بوقف الحرب بتوافق داخلي بما يتيح لنتنياهو ضمان مستقبله السياسي وهذا لم يحصل عليه حتى الآن، أو مواصلة الحرب ولو في إطار ضيق لحين التوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأميركية التي كشفت مؤخرا عن مواقف مناهضة له ولا تخفي رغبتها في إسقاط حكومته.