فقدت كرة القدم المصرية أحد أعمدتها الأساسية برحيل المدرب الكبير إيهاب جلال عن عمر يناهز 57 عامًا، بعد صراع قصير مع المرض. ترك إيهاب جلال بصمة قوية في عالم الرياضة، وأثَّر بشكل عميق في الأندية التي قادها والمنتخب الوطني الذي حلم بقيادته. إنّ تأريخ مسيرته يعكس رحلة طويلة من الطموح والتفاني في عالم كرة القدم، حيث أثبت أنه نموذج للنجاح والاحترافية.
بداية المسيرة: من الحلم إلى الواقع
وُلد إيهاب جلال في 14 أغسطس 1967، في محافظة الدقهلية، حيث نشأ في بيئة بسيطة لكنها غنية بالأحلام والطموحات. لم يكن طريقه إلى الشهرة مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتحديات. بدأ جلال مسيرته كلاعب في خط الوسط الدفاعي، حيث ارتدى قميص أندية الشمس والمصري والقناة. كانت سنواته في الملاعب مليئة بالتحديات، لكنه أظهر موهبة واضحة وإخلاصًا في الأداء.
حقق إيهاب جلال أول ألقابه ببطولة كأس مصر مع نادي الإسماعيلي عام 1997، وهو إنجاز كان بمثابة البداية لتألقه في عالم كرة القدم. مع مرور الوقت، اكتسب سمعة كلاعب متميز، وظهر كقائد حقيقي على أرض الملعب، مما مهد له الطريق للدخول إلى عالم التدريب.
الصعود إلى الأضواء: رحلة النجاح والإنجازات
بعد اعتزاله اللعب في يوليو 2004، اتخذ جلال قرارًا بالدخول إلى عالم التدريب، حيث بدأ مشواره في أندية غير مشهورة مثل كهرباء الإسماعيلية والحمام وبلدية المحلة وكفر الشيخ. لم يكن الأمر سهلاً، لكن جلال أظهر براعته مبكرًا، وبدأ في بناء سمعة قوية كمدرب مبدع ومثابر.
ظهور جلال في الدوري الممتاز كان مع نادي تليفونات بني سويف في موسم 2013-2014. وقد أظهر خلال تلك الفترة براعته الفائقة في التعامل مع الفرق وتطوير الأداء. ورغم أن تليفونات بني سويف لم يتمكن من البقاء في الدوري الممتاز، إلا أن جلال ترك بصمة واضحة جعلته محط أنظار الفرق الكبيرة.
انتقل جلال إلى نادي مصر المقاصة، حيث أبدع وأظهر قدراته الحقيقية. قاد المقاصة إلى المركز الثاني في الدوري المصري موسم 2016-2017، وهو ما منح الفريق فرصة المشاركة في دوري أبطال إفريقيا لأول مرة في تاريخه. كانت هذه الفترة من أبرز مراحل مسيرته، حيث أثبت جلال أنه قادر على تحقيق الإنجازات الكبرى.
كما قاد جلال فرقًا أخرى مثل إنبي والزمالك والأهلي طرابلس الليبي، مما عزز من مكانته كمدرب كبير. وقد تميزت فترة تدريبه مع الزمالك، على الرغم من أنه لم يكن لاعبًا في صفوف الفريق، ولكن تمكن من تحقيق نتائج إيجابية وإثبات نفسه كمدرب بارع.
الحلم الوطني والتحولات الكبيرة
في 12 أبريل 2022، تحقق حلم إيهاب جلال بتعيينه مدربًا لمنتخب مصر. كانت هذه المرحلة بمثابة قمة الطموح بالنسبة له، حيث كان يأمل في قيادة المنتخب الوطني إلى الألقاب الكبرى. ومع ذلك، كانت فترة تدريبه مع المنتخب قصيرة، حيث قاد الفريق في ثلاث مباريات فقط قبل أن تنتهي مهمته سريعًا. ورغم هذه الفترة القصيرة، كانت تجربة جلال مع الفراعنة تحمل في طياتها طموحات كبيرة ورؤية واضحة.
التجارب المحلية والعودة إلى الأندية
بعد انتهاء فترة تدريبه مع منتخب مصر، عاد إيهاب جلال إلى الأندية المحلية، حيث تولى تدريب النادي المصري في سبتمبر 2022. كانت هذه العودة محاولة لإعادة بناء الفريق وتحقيق النجاح، ولكنه واجه تحديات كبيرة. قاد الفريق في خمس مباريات فقط، حيث حقق فوزًا واحدًا وتعادل في اثنتين وتعرض لهزيمتين.
ثم انتقل جلال إلى تدريب نادي فاركو في ديسمبر 2022، حيث سعى لإنقاذ الفريق من الوضع الصعب في جدول الترتيب. ورغم جهوده الكبيرة، لم يتمكن من تحقيق النتائج المطلوبة، حيث فاز في مباراة واحدة فقط وتعادل في ثلاث مباريات وتعرض لأربع هزائم.
في أغسطس 2023، عاد جلال إلى نادي الإسماعيلي لإنقاذه من موقفه الصعب في الدوري. قاد الفريق في 19 مباراة، حيث حقق تسع انتصارات وتعادل في ثلاث مباريات وتلقى سبع هزائم. كانت هذه العودة بمثابة تحدي كبير لجلال، الذي سبق وأن قاد الإسماعيلي في موسم 2021-2022.
إيهاب جلال، الذي بدأ مسيرته من الصفر وصعد إلى القمة، أظهر للعالم أن الطموح والإصرار يمكن أن يحقق المعجزات. ورغم أن حلمه في قيادة منتخب مصر لم يتحقق كما كان يأمل، فإن إنجازاته مع الأندية التي قادها وتجربته الثرية في عالم التدريب تظل شاهدة على قدراته الكبيرة. فقدت كرة القدم المصرية واحدًا من أبرز نجومها، لكن إرث إيهاب جلال سيبقى خالداً في ذاكرة كل من عشق كرة القدم.
إن فقدان جلال يرمز إلى نهاية عصر مليء بالإبداع والابتكار، ولكن إنجازاته ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. عزاءنا لأسرة الراحل ولكل من أحبوه، ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.