غيّب الموت الفنان الشعبي المصري أحمد عدوية، مساء الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول، عن عمر يناهز 79 عامًا بعد صراع طويل مع المرض. رحل أيقونة الغناء الشعبي، تاركًا إرثًا فنيًا سيبقى خالدًا في ذاكرة الجماهير.
بداية غير تقليدية صنعت نجم الأغنية الشعبية
انطلق أحمد عدوية إلى عالم الفن من قلب الشارع المصري، حيث بدأ مشواره في الأفراح والمقاهي بشارع محمد علي، الذي كان يُعرف بأنه مركز الفن الشعبي في مصر. ومع ظهوره الأول في أواخر الستينيات، صدم عدوية الجمهور بأغاني ذات إيقاعات صاخبة وكلمات بسيطة نابعة من البيئة الشعبية، مثل أغنيته الشهيرة “السح الدح أمبو”.
في وقتٍ هيمنت فيه الأغاني الرومانسية والوطنية لكبار النجوم مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، استطاع عدوية أن يفرض نفسه بأسلوب جديد، ليُصبح صوت الطبقات الشعبية المعبر عن همومهم وأفراحهم. ورغم الانتقادات التي واجهها في البداية، إلا أن صوته القوي وأسلوبه المختلف حجزا له مكانة مميزة في الساحة الفنية.
مدرسة فنية مميزة.. وتأثير دائم
يرى النقاد أن أحمد عدوية لم يكن مجرد مغنٍ شعبي، بل كان مدرسة فنية متكاملة ألهمت أجيالاً لاحقة من المطربين، مثل حكيم وعبد الباسط حمودة وشعبان عبد الرحيم، وصولاً إلى مطربي المهرجانات الحديثة.
ووفقاً للناقد الفني طارق الشناوي، فقد حقق عدوية نجاحًا استثنائيًا رغم التحديات، حيث تجاوزت مبيعات ألبوماته كبار النجوم، وتمكن من فرض نفسه في الأسواق الشعبية والأفراح الفاخرة على حدٍ سواء. حتى أن الأديب العالمي نجيب محفوظ أبدى إعجابه بصوته وأسلوبه الفريد.
عدوية والسينما.. نجومية تتخطى الغناء
لم يقتصر نجاح أحمد عدوية على الغناء فقط، بل امتد إلى السينما، حيث شارك في أكثر من 27 فيلمًا، من بينها “البنات عايزة إيه” و”السلخانة” و”المتسول”، ونجح في جذب الجمهور بأدواره التي تعكس شخصيته الشعبية المحبوبة.
حادث مأساوي لم يوقف مسيرته
في الثمانينيات، تعرض عدوية لحادث اعتداء كاد أن يضع نهاية لمسيرته الفنية، لكنه استطاع تجاوز المحنة بدعم أسرته، وخاصة زوجته، ليعود بقوة في السنوات اللاحقة. واستمر في إحياء الحفلات وإطلاق الأغاني الناجحة، مثل أغنيته الشهيرة “الناس الرايقة” مع رامي عياش، التي أعادت إليه وهج النجومية.
أيقونة شعبية تجاوزت نصف قرن من النجاح
ظل أحمد عدوية متربعًا على عرش الأغنية الشعبية لأكثر من خمسة عقود، مُجددًا نفسه مع كل جيل. وقد ارتبطت أغانيه بمراحل اجتماعية وسياسية مهمة في تاريخ مصر، مثل أغنية “زحمة يا دنيا زحمة”، التي أصبحت رمزًا لتصوير حياة المدينة المصرية.
وخلال مشواره الطويل، أثبت عدوية أن النجاح الحقيقي لا يتطلب السير على النهج التقليدي، بل يكمن في التمسك بالهوية والتميز.
وداع جماهيري وتكريم مستحق
شهدت السنوات الأخيرة تكريم عدوية في العديد من المناسبات، وكان آخر ظهور له في موسم الرياض، حيث استُقبل بحفاوة كبيرة، مُذكّرًا جمهوره بأنه نجم لا يُنسى.
واليوم، برحيله، يودّع الوسط الفني والجمهور أحد أعمدة الأغنية الشعبية المصرية، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا خالدًا سيلهم الأجيال القادمة.