بقلم: الدكتور ضيو مطوك ديينق وول
من السابق لأوان أن نتحدث عن ما يمكن أن تتجه إليه الأمور في السودان خلال الأيام المقبلة ولكن المؤكد هو أن الذي يحدث الآن طمن صراع مسلح سيكون له تاثيرات سالبة على جنوب السودان،فجمهورية جنوب السودان تشارك السودان في أشياء كثيرة علي رأسها الشريط الحدودي الطويل الذي يربط بين البلدين وتجد علي هذا الشريط الحدودي نسبة مقدرة من سكان هذين البلدين ويشكل هذا الشريط خط الامداد الاقتصادي للبلدين حيث توجد فيه حقول البترول ومزارع الصمغ العربي وأكبر مشاريع لإنتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية خاصة الماشية.
وتعتمد خمس من أصل عشر ولايات بجنوب السودان علي سلع وبضائع منتجة في السودان وأي تداعيات أمنية ستؤثر مباشرة علي مجمل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمواطن بجنوب السودان.
أيضا يحوي البلدين على عدد غير قليل من لاجئي كليهما، فالسودان يحوي مليون ونصف لاجئ جنوب سوداني في المعسكرات والمدن الرئيسة وأي حرب ستضاعف العمل علي سفارة جوبا بالخرطوم للقيام بمسؤولياتها الأمنية و الإنسانية للحفاظ علي أرواح وممتلكات هولاء اللاجئين خاصة في ظل شيح الامكانيات الاقتصادية لحكومة جنوب السودان.
ومن ناحية أخرى من المرشح أن يزيد عدد اللاجئين السودانيين في جنوب السودان وهو عدد كان في تناقص بعدما بدأت الحكومة السودانية برنامج العودة الطوعية من معسكرات اللجوء بولاية أعالي النيل إلي مناطقهم بالنيل الأزرق.
وضمن تداعيات هذا الصراع أطلعنا بالأمس السيد وزير المواصلات بجنوب السودان علي قرار إغلاق المجال الجوي الأعلي لجنوب السودان نتيجة لإغلاق الأجواء السودانية لأن السودان يدير المجال الجوي الأعلي لجنوب السودان، وأفادنا المصدر بأن هذا الإغلاق سيستمر مدة أسبوعين مما يسبب المعاناة لمواطني جنوب السودان الذين يعتمدون على الطيران لتسهيل حركتهم من وألي البلاد.
الجدير بالذكر أن إطالة أمد الصراع في السودان يؤثر علي ملفات كثير وذات اهتمام مشترك للبلدين وعلي رأس هذه الملفات؛ الوضع النهائي لمنطقة أبييي وترسيم الحدود بين البلدين والحريات الأربع والاقتصاد.
كتبنا قبل أسبوعين مقالا أشرنا فيه لمآلات الصراع العسكري العسكري وفرص التحول الديمقراطي المدني في السودان وقلنا إن هذا الصراع هو صراع بين الجيش والقوي المدنية في السودان وإن الدعم السريع مستخدم من قبل المدنيين وبعض القوي الخارجية في هذا الصراع وإن هذا الصراع سيقضي علي الأخضر واليابس ويعصف بالسودان ويعرقل فرص التحول الديمقراطي المدني في البلاد.
وهو سيناريو يجد الدعم والتأييد من الموتمر الوطني المنحل وإن أقصر طريق إلي التحول الديمقراطي المدني الحقيقي هو اعتماد نموذج عام 1964 الذي تكرر في عام 1985 وترك الجيش يقود الفترة الانتقالية ويجري الانتخابات قبل نهاية الفترة الانتقالية.
ويعتبر هذا السيناريو الأفضل للانتقال الديمقراطي المدني وتهدئة الأوضاع في السودان ويجب على الوساطة وضع هذا السيناريو محل اهتمام عند إجراء أي مفاوضات للسلام بين الجيش والدعم السريع وإدخال القوي المدنية في خارطة السلام الجديدة.
الدعم السريع لابد أن يقبل بالاندماج داخل القوات المسلحة خلال الفترة الانتقالية مثله مثل الحركات الموقعة علي سلام جوبا وهو شرط وجد قبول من كل الأطراف في اتفاقية جوبا لسلام السودان الموقعة في أكتوبر 2020.
ومن ناحية أخرى يجب ان تلتزم الموسسة العسكرية وكل الأجهزة الأمنية بالإصلاحات الهيكلية والتنظيمية داخل مؤسساتها وهو شرط وافق ووقع عليه أيضا أطراف العملية السلمية بجوبا بما في ذلك الجيش السوداني ومن جانب آخر يجب على الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تنظم نفسها لانتخابات حرة ونزيهة تجري قبل نهاية الفترة الانتقالية دون المشاركة في الفترة الانتقالية.
ويكون الشق المدني من الحكومة من أصحاب الكفاءات فقط دون انتماءات حزبية وخاصة من شباب الثورة ويشترط للمشاركين عدم الدخول في الانتخابات القادمة.
أما المجتمع الدولي والإقليمي فعليهما الإشراف علي قيام الموسسات التي ستعمل علي قيام انتخابات حرة ونزيهة في مواعيدها المضروبة مثل الدستور الدائم، مفوضية الانتخابات، مفوضية تنظيم الأحزاب السياسية والإشراف علي كل مراحل إجراء الانتخابات وتسليم السلطة الي القوي المدنية المنتخبة في نهاية الفترة الانتقالية.
يجب أن تكون الأولوية للأمن والاستقرار للسودان وليس للديمقراطية لأن الأخيرة تعمل في ظروف معينة ولايمكن لها النجاح إذا لم تتوافر الأجواء الملائمة.
هناك مهددات حقيقية للانتقال الديمقراطي المدني من انتشار السلاح، عدم وجود قوانين ومؤسسات تؤمن وتحرس الديمقراطية، عدم النضوج وغياب الوعي السياسي لكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية في السودان كل هذه التحديات تصعب من قيام انتخابات حرة ونزيهة ولذلك الأجدر أن نهتم بخلق الأجواء المواتية للديمقراطية حتي يستطيع المواطن السوداني ممارسة هذا الحق دون ابتزاز من أي جه.
شاهدنا الذي حدث في واشنطن أثناء انتخابات الولايات المتحدة الاميركية بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب من احتجاجات وفوضى في كبتول هيل وما وصلت إليه الأوضاع في أنحاء البلاد لولا وجود موسسات قوية تحرس الديمقراطية مثل القضاء والأمن وهيئة الانتخابات القومية.
لا نريد للسودان أن يتمثل النموذج السوري ولا اليمني فيتم تشريد المواطنيين إلي دول الجوار، وقد يتفق معي كل سوداني هادف لاستقرار بلاده في هذا الاتجاه بما في ذلك القيادة السياسية والأمنية في السودان.
هناك أسوأ سيناريوهات لا نحمد حدوثها إطلاقا في حال فشل الوساطة هي:
الاحتمال الأول هو انتصار القوات المسلحة علي الدعم السريع في المعركة وهذا الاحتمال يستبعد قوى الحركة والتغيير من المشهد عند حدوثه ويجعل الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية وبعض فلول الموتمر الوطني حاضنة سياسية للنظام الجديد وربما تعود القوى الثورية إلي المظاهرات السلمية والمطالبة بتسليم السلطة وتحتدم المواجهات بين الجيش ولجان المقاومة مرة أخرى. بكل تأكيد المجتمع الدولي سيدعم هذا الخط ويضغط علي الجيش من أجل تسليم السلطة ويترجع السودان إلى المربع الأول.
الاحتمال الثاني هو انتصار الدعم السريع وتسليم السلطة إلى الحرية والتغيير المجلس المركزي وتشتعل الفوضي خاصة من قبل فلول الموتمر الوطني وبعض أفراد الجيش المهزوم وهذا نموذج شهدناه في العراق وسوريا واليمن وبعض الدول التي سقطت فيها السلطة المركزية.
الاحتمال الثالث هو هزيمة الدعم السريع في الخرطوم والمدن الأخرى وتضطر قيادته الي الهروب الي دول الجوار خاصة إفريقيا الوسطى وتبدأ في تنظيم صفوفها وانطلاق الهجمات ضد الخرطوم من هناك هذا سيناريو سيفضي إلي مفاوضات سلام تنتهي بالتوقيع علي اتفاق تقاسم السلطة والترتيبات الأمنية الجديدة ويعيد البلاد الي الوراء أيضا ولذلك سيظل الخيار الأول المتمثل في اعتماد نموذج عام 1964 المتكرر في عام 1985 وإعطاء الجيش والدعم السريع قيادة الفترة الانتقالية وقيام جهاز تنفيذي مدني من الكفاءات الوطنية يعمل على إدارة الفترة الانتقالية دون ترشيح أفراده في الانتخابات المقبلة هو الافضل.