تباينت آراء المحللين الاقتصاديين بشأن تأثير الأوضاع الراهنة في سوريا على الاقتصاد المصري، وسط مخاوف من تداعيات هذه الأحداث على المدى القصير والطويل، في حين يرون في استقرار الأمور فرصة لتحقيق بعض المكاسب. ففي الوقت الذي تشهد فيه سوريا تحديات كبيرة جراء النزاع المستمر، أعرب بعض الخبراء عن استبعاد التأثير المباشر للأزمة السورية على الاقتصاد المصري، بينما يرى آخرون أن الأحداث الجارية قد تترك آثارًا كبيرة على عدة قطاعات اقتصادية، وخاصة في التبادل التجاري والسياحة.
الخبير الاقتصادي المصري هاني توفيق أشار إلى أن الأوضاع في سوريا لن تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري في الوقت الحالي. وأوضح في تصريحاته لـ “العربية Business” أن مصر قد تواجه تحديات مع استمرار الحرب في سوريا، لكن بمجرد استقرار الأوضاع، ستعود العلاقات التجارية إلى طبيعتها، ما يساهم في تعزيز الاقتصاد المصري بشكل أكبر مقارنة بالمرحلة السابقة التي شهدت توقفًا في التبادل التجاري بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في سوريا. وأضاف أن استقرار الأمور في سوريا سيكون أفضل بكثير من فترة الحرب، مما سيسهم في تسهيل حركة التجارة مع الدول المجاورة ومنها مصر.
وفي المقابل، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة أن المنطقة ككل ستتأثر بتداعيات الأزمة السورية، مشيرًا إلى أن مصر، كونها جزءًا من المنطقة، ستتحمل تبعات هذه الأحداث. وقال بدرة إن مصر عانت اقتصاديًا نتيجة الزيادة الكبيرة في عدد اللاجئين السوريين الذين تدفقوا إلى أراضيها، مما أثقل كاهل الموازنة العامة. وأوضح أن الأزمة السورية أدت أيضًا إلى زيادة في أسعار السلع بشكل عام، ومنها العقارات، ما أثر بشكل مباشر على المواطن المصري.
وبالنسبة لحركة التبادل التجاري بين مصر وسوريا، أشار بدرة إلى أن هذه الحركة توقفت تمامًا في الوقت الراهن نتيجة للأحداث الجارية، مما يعني تراجع عائدات الصادرات المصرية إلى سوريا. وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء انخفاض صادرات مصر إلى سوريا في عام 2023، حيث تراجعت إلى 304 ملايين دولار مقارنة بـ 362 مليون دولار في العام الذي قبله، في حين تراجعت الواردات المصرية من سوريا إلى النصف. ورغم ذلك، فقد شهدت الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي زيادة طفيفة في صادرات مصر إلى سوريا بنسبة 4%، وهو ما يعكس نوعًا من التحسن النسبي.
من جانب آخر، أشار د. مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، إلى أنه من المبكر الحكم على مدى تأثير الأحداث السورية على الاقتصاد المصري في الوقت الراهن. وقال نافع: “لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بمستقبل الوضع في سوريا، وما سيترتب عليه من تغيرات اقتصادية على المدى الطويل، لكن من المؤكد أن مصر ستتأثر بالأحداث في سوريا”. كما أشار إلى أنه من الصعب تحديد حجم الاستفادة المحتملة لمصر من مشروعات إعادة إعمار سوريا في حال استقرار الوضع السياسي هناك.
وفي هذا السياق، استبعد هاني توفيق أن تستفيد مصر بشكل كبير من مشاريع إعادة إعمار سوريا في المستقبل، مؤكدًا أن الشركات السورية قد تكون أكثر قدرة على تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة. من جهته، أعرب محمد البهي، رئيس لجنة التعاون العربي باتحاد الصناعات المصرية، عن تفاؤله بإمكانية استفادة مصر من السوق السورية في حال استقرار الأوضاع، مشيرًا إلى أن الشركات المصرية ينبغي أن تستعد للمشاركة في مشروعات إعادة الإعمار وتوسيع أنشطتها في سوريا.
إجمالًا، يظل السؤال الأهم: هل ستتمكن مصر من استغلال الفرص الاقتصادية التي قد تنشأ مع استقرار الأوضاع في سوريا؟ أم أن تأثيرات الأزمة ستظل تُثقل على الاقتصاد المصري لفترة أطول؟ في النهاية، يبقى السيناريو الأكثر تفاؤلًا هو استقرار المنطقة بالكامل، مما قد يفتح أمام مصر أبوابًا جديدة للنمو الاقتصادي والتوسع التجاري.