الإسكندرية، عروس البحر المتوسط، تعيش على وقع أزمة تهدد حياة سكانها وتلقي بظلالها على مستقبل مبانيها. انهيار العقارات بشكل متكرر أصبح مشهدًا مأساويًا يثير المخاوف، في ظل مزيج من الإهمال الإداري، التشريعات القديمة، والتغيرات المناخية التي تضع المدينة في مواجهة كارثية مع المستقبل.
الإيجار القديم.. تشريع لا يواكب التحديات
يرى العديد من الخبراء أن قانون الإيجار القديم يعد أحد أبرز الأسباب المؤدية لتدهور حالة المباني. النائب إيهاب منصور أكد أن حوالي 99% من العقارات المنهارة تخضع لهذا النظام، حيث يحصل ملاك العقارات على إيجارات رمزية لا تكفي لتغطية نفقات الصيانة. هذه الفجوة بين حقوق المالك والمستأجر تُخلّف عقارات متآكلة تفتقد لأبسط معايير السلامة. ومع استمرار العمل بهذا النظام دون تعديل، تبقى صيانة العقارات ضربًا من المستحيل، ما يهدد سلامة الآلاف.
التغيرات المناخية تفاقم المأساة
الإسكندرية ليست بمنأى عن تأثيرات التغير المناخي. الدكتور وحيد إمام، أستاذ العلوم البيئية، أوضح أن الرطوبة العالية والرياح المحملة بالأملاح تتسبب في تآكل الحديد والأسمنت، مما يضعف البنية التحتية للعقارات. وأضاف أن الأمطار الحمضية الناجمة عن التغير المناخي تزيد من تآكل الأساسات، بينما توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر تزيد من مخاطر غمر المناطق الساحلية بالمياه، مما يهدد استقرار المباني القديمة والحديثة على حد سواء.
الإهمال الإداري والرقابة الغائبة
الإهمال الإداري يمثل أحد العوامل الحاسمة في هذه الأزمة. الدكتور ممدوح الحسيني، خبير التنمية المحلية، أشار إلى أن البلاغات المقدمة بشأن العقارات الآيلة للسقوط غالبًا ما تُقابل بالإهمال، حيث تفتقر الأحياء للكفاءات الفنية اللازمة لمتابعة تلك الشكاوى. تقارير لجان التفتيش غالبًا ما تُترك دون تنفيذ، مما يسمح بتفاقم الأوضاع وزيادة عدد العقارات المهددة بالسقوط.
طبيعة التربة وتحديات البحر
بجانب الإهمال والتغيرات المناخية، تمثل التربة الرملية القريبة من البحر في الإسكندرية تحديًا إضافيًا. طبيعة التربة تجعل المباني أكثر هشاشة أمام عوامل التعرية وارتفاع منسوب المياه. الخبراء حذروا من احتمالية ارتفاع البحر بنصف متر خلال العقود القادمة، مما قد يُغرق المناطق الساحلية ويُفاقم خطر انهيار العقارات.
الحل.. تدخل عاجل وإصلاحات جذرية
مواجهة هذا الوضع الخطير يتطلب حلولًا عاجلة وشاملة. الخبراء يؤكدون أهمية تعديل قوانين الإيجار القديم بما يضمن موارد كافية للصيانة، مع ضرورة تعزيز فرق التفتيش والرقابة في الأحياء. كما يجب أن تضع الحكومة خططًا واضحة للتعامل مع تأثيرات التغير المناخي، بما في ذلك صيانة الأساسات وتعزيز الحماية للمناطق الساحلية.